يوم فى «شكشوك».. بين الأملاح والمعادن والأمل
الرئيسية »كتب: مصباح قطب, ياسمين كرم, أميرة صالح
زارت «المصرى اليوم» قرية «شكشوك» بمحافظة الفيوم، حيث تضم مصانع الشركة المصرية للأملاح والمعادن «إميسال» والتى تشغل أحواضها ومصانعها 1750 فدانا ما بين بحيرة قارون واليابسة.
كان هدف الزيارة إجراء حوار مع الدكتور عبداللطيف الكردى، نائب رئيس غرفة البترول والتعدين باتحاد الصناعات، رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للأملاح والمعادن «إميسال»، تفقد مصانع ومنشآت وإمكانيات إميسال، وما انتهت إليه المفاوضات بشأن بيع حصة كبيرة منها للمستثمرين، لكن الهدف امتد ليشمل معاينة أثر الصناعة الحقيقية على المكان والإنسان والمجتمع المحيط والبيئة، خاصة أن الشركة تقع بالقرب من أكثر الأماكن إنتاجا للتطرف والمتطرفين في مصر ألا وهى قرية «الشوقيين» كما تقع الشركة في واحد من أكثر الأماكن في مصر فقرا وبؤسا، لكن الحال تغير بعد جهد وعرق وكفاح طويل.
كنا على موعد أيضا مع تفاصيل مثيرة بشأن المشروع المقبل للشركة لاستخلاص الأملاح من البحيرة باستخدام تكنولوجيا النانو، وبما يسمح بإنتاج مياه نظيفة تماما تصلح للزراعة وتربية الأسماك، كما تحدثنا عن العمالة وغياب المرأة عن التواجد في المصانع ومشاكل المنافسة غير الشريفة، وغش الملح وأضراره وكيفية التأكد من سلامته وجهود الشرطة والقضاء في مواجهة المنشآت التي تقوم بالغش.
جولة داخل مصانع «إميسال»: حلم مصرى على ضفاف بحيرة قارون
منذ اللحظة التي يدخل فيها المسافر زمام الفيوم تلاحقه حزمة من المشاعر المترابطة والمتعاكسة في نفس الوقت، فها هي رائحة إرث فرعونى لا تغفله العين، ومقومات طبيعية تختلف ربما عن كل محافظات مصر، وبقايا حكايات عن صيد البط والسمك في بحيرة قارون، وآثار واضحة لفقر له أنياب وأظافر كان موجودا حتى وقت قريب ولاتزال ظلاله حاضرة، وأخيرا توق شديد إلى التنمية والحداثة لم يرتوِ بعد، رغم أن الكثير من المشاريع والبنى التحتية قد تم عمله.
ترى في المكان بوضوح سباقا مصيريا بين التنمية ووحش متنمر اسمه «التطرف والإرهاب»، وجد له أخصب أرض في الفيوم، ومنه خرج الشوقيون وعمر عبدالرحمن، ولايزال يحاول أن يغرس أنيابه في مصر، المكان والبشر، ولذلك يتوقف نجاح التنمية في ذلك المكان على أن تكون ذات عمق ومتكاملة ومتصالحة مع المجتمع والبيئة وتلبى التزاماتها الاجتماعية بوعى، وتوزع ثمارها بشكل عادل، وتفتح أفقا للازدهار وللتقدم بالجهد الذاتى.
وبعد جولة في كل أركان مصانع الشركة المصرية للأملاح والمعادن بالفيوم (إميسال) وأحواضها ومنشآتها، ولقاءات مع قياداتها ومهندسيها وفنييها وعمالها، كان يمكن أن نرى دائرة نجاح تنموى تستحق التحفيز. لفت نظرنا أولا أنه يوجد أكثر من 800 عامل من مجموع العمال بالشركة من محافظة الفيوم يعملون في المصانع من عدد عمالة كلى يصل إلى 1417 عاملا، صحيح أنه لا توجد بالمصانع سيدات، فذلك- كما فهمنا- ليس تحيزا ضدهن ولكن لأنه يصعب حاليا على السيدات هناك العمل في ورديات ثلاث كما هو الحال بالمصانع التي لا تتوقف ساعة طوال العام، لكن رسائل الشركة والعاملين إلى البيوت وسيدات البيوت وإلى الجوار كله متواصلة، بحيث يمكن القول إن كل ما أاقيم من محال وأنشطة صغيرة في قرية شكشوك التي تقع بها المصانع وكانت من أفقر القرى في مصر وتعمل في معظمها سيدات أساسها الدخل الذي تحقق من عمل 400 من أبناء القرية بالشركة.
«إميسال» شركة حكومية، تعد منقذًا للحياة البحرية في بحيرة قارون من خطر مخيف أحاط ويهدد ما بها من كائنات وما يحوم فوقها من طيور، سببه ارتفاعات مؤكدة لنسب الملوحة، تم رصدها عبر عشرات السنين لولا إنشاء المصانع التي تسحب من أملاحها باستمرار ودون أن تعيد قطرة مياه واحدة إلى البحيرة.
تمتد «إميسال» على مساحة 1750 فدانا على الجانب الشرقى من البحيرة، وتم البدء في التفكير بإنشائها عام 1984 كإحدى الخطوات الحكومية لاستخلاص الأملاح من بحيرة قارون، بهدف خفض نسب الملوحة بالبحيرة إلى مستويات تسمح باستمرار تواجد الأسماك فيها، من المساحة الكلية 1200 فدان للأحواض استخلاص وتخزين الأملاح، و550 فدانا تضم 4 مصانع لاستخلاص أنواع مختلفة من الأملاح، وتم تشغيل أولها عام 1992، وتمر شركة المصرية للأملاح- التي قامت على مساهمات حكومية 49.8% منها للبنك الأهلى، و17% لبنك الاستثمار القومى، و13% للشركة القابضة الكيماوية، وباقى المساهمات لمحافظة الفيوم وشركات تأمين- بلحظة فارقة مع إعلان البنك الأهلى رغبته في بيع حصته بالشركة في إطار تكليف البنك المركزى للبنوك العامة بالتخارج من المشروعات المستقرة، بهدف توفير سيولة لتمويل مشروعات جديدة، وتقدم عروض خليجية إلى المساهمين للاستحواذ على الشركة، منها عرضان مقدمان من الشركة القابضة المصرية الكويتية ومن تحالف كويتى سعودى يضم شركة المدار للتمويل والاستثمار الكويتية، والسعودية المصرية للاستثمارات الصناعية، وتخضع الشركة حاليا للفحص النافى للجهالة.
في الجولة، اصطحبنا كلا من المهندس سليمان الشيشينى رئيس قطاع الإنتاج، والدكتور حسن شحاتة مدير مصنع كلوريد الصوديوم، وقد بدأناها بمحطة الرفع والضخ الرئيسية التي تسحب المياه من البحيرة وفقا لاحتياجات المصانع.. وبلغة عربية سليمة ولافتة شرح، المهندس المسؤول طريقة عمل المحطة التي تقوم بسحب المياه من البحيرة إلى أحواض التخزين الأولية،والتى تقوم بترسيب المخلفات الصلبة، ليخرج منها المحلول الأم المشبع بالأملاح إلى أربعة أحواض رئيسية لتغذية المصانع.
وعلى أبواب المصنع الأول «كبريتات الصوديوم» تتراص المقطورات على الجهة الخلفية عند نقطة تسليم المنتج النهائى لنقل كبريتات الصوديوم في عبوات ضخمة (طن أو أكثر) إلى مصانع المنظفات والزجاج.
ويقول رئيس قطاع الإنتاج: «بحيرة قارون حباها الله بميزة في تكوينها الملحى، بارتفاع نسبة تركيز الكبريتات عن المعدلات الموجودة في البحار المالحة، الأمر الذي دفع الشركة وقت تأسيسها إلى البدء بإنشاء مصنع كبريتات الصوديوم بطاقة إنتاجية بلغت 120 ألف طن، وهو الأساس الذي قامت عليه صناعة المنظفات في مصر، ويسهم هذا المنتج وحده بنحو 50% من مبيعات الشركة السنوية».
ووسط تلال بيضاء اللون يتحرك «البلدوز» يحمل الأملاح من الأحواض بعد ترسيبها باستخدام التبخير الشمسى لينقلها إلى المصنع الثانى وهو «كلوريد الصوديوم»، المسؤول عن إنتاج ملح الطعام، بطاقة إنتاجية 120 ألف طن، تمثل ما يقرب من 50%من احتياجات السوق، و30 ألف طن أملاح صناعية.
ويقول المهندس سليمان إن الملح يخضع لأكثر من عملية غسل وجرش وتعقيم وتبخير حتى يصل إلى درجة النقاوة المقررة في المواصفة القياسية المصرية لإنتاج ملح الطعام عند درجة نقاوة فوق 99%، كما يتم إنتاج ملح «الفاكيوم» عالى النقاوة في مصنع الفاكيوم الجديد لإنتاج ملح مستخدم في صناعات الألبان والمواد الغذائية.
ويتابع «سليمان» إن جزءا من هذه الأملاح يتم نقلها إلى «المنطقة العقيمة»، مصنعنا الجديد الذي تم افتتاحه مارس الماضى لإنتاج الملح الطبى المستخدم في تصنيع محاليل الغسيل الكلوى- وذلك لأول مرة في مصر- بتكلفة استثمارية تصل إلى 25 مليون جنيه، وطاقة إنتاجية 10 آلاف طن، وينتظر المصنع العمل بكامل طاقته قريبا.
وقال «سليمان» إن هذا المصنع سيوفر على الدولة ملايين الدولارات كان يتم صرفها لاستيراد المحاليل، مشيرا إلى أن هذه الخطوة جاءت بعد التعويم حيث ارتفعت تكلفة العبوة من 5 جنيهات إلى 50 جنيها.
أما المصنع الرابع والأخير فهو كبريتات الماغنسيوم، المستخدمة في الزراعة، بطاقة إنتاجية 27 ألف طن سنويا. ويقول «سليمان» إن كل المياه المتبقية من عملية استخلاص الأملاح يتم تخزينها في عدة أحواض للتخزين، باعتبارها مادة خام لما تحتويه من أملاح أخرى، ولا تعيد الشركة نقطة مياه واحدة إلى البحيرة بما يعنى أنها لا تسبب أي تلوث للبحيرة، فضلا عن أنها تعمل أساسا على حفظ النظام البيئى للبحيرة.
ووفقا للمعلومات التي قدمها قيادات الشركة، فإن الشركة تضع ضمن خطتها الاستراتيجية حتى عام 2023، إنشاء أربعة مصانع جديدة تستفيد من المخزون المتراكم من المياه الاقتصادية الموجودة في أحواض التخزين، وحصلت الشركة على موافقة جهاز شؤون البيئة على إدارج المشاريع المستقبلية ضمن برنامج مشروع التحكم في التلوث الصناعى في مرحلته الثالثة، للاستفادة من المنح والقروض الميسرة المقدمة ضمن البرنامج، وتصل تكلفة المصانع الأربعة الجديدة 120 مليون جنيه- حسب تصريحات الدكتور عبداللطيف الكردى، رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب للشركة، وتضم مصنعا جديدا لإنتاج سماد كبريتات البوتاسيوم التي تستخدم كمادة مهمة مغذية للمحاصيل الزراعية ضعيفة الجذور، نظرا لانخفاض نسبة البوتاسيوم في التربة المصرية بشكل عام، وتنتج الشركات المصرية حاليا نحو 120 ألف طن سنوى من هذا السماد تصل إلى 300 ألف مع التوسعات المستقبلية للشركات المحلية.
وقال تقرير الشركة السنوى إنه مع التوسع في استصلاح الأراضى، سترتفع الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك إلى 180 ألف طن. وتشير الدراسات الفنية للمحاليل المتبقية بأحواض الشركة إلى إمكانية إنتاج 10 آلاف طن سنويا، تزيد إلى 30 ألف طن في حال إجراء تحويلات ومعالجات كيميائية على بعض منتجات الشركة ذات الصلة.
والمشروع الثانى، إنتاج «البرومين»، حيث أثبتت الدراسات التي قامت بها الإدارة مع شركة «كى آند إس» الألمانية أن ما يتخلف عن عمليات إنتاج تقوم بها الشركة حاليا يتيح لها إنتاج 850 طنا من البرومين الذي لا يتم إنتاجه في مصر، ويستخدم كإضافات إلى وقود السيارات والطائرات ومواد إطفاء الحرائق.
أما المشروع الثالث فهو إنتاج «كلوريد الماغنسيوم»، حيث تشير الدراسات إلى إمكانية إنتاج 18 ألف طن منه سنويا، وهو مادة حيوية لعديد من الأغراض الصناعية والزراعية والبيئية.. والمشروع الرابع هو إنتاج أملاح «البورون» التي تستخدم في صناعة السيراميك والمبيدات والألومنيوم وبعض الأغراض المرتبطة بالمفاعلات النووية والتعقيم.
ورغم نجاح «إميسال» في استخلاص ما يوزاى 500 ألف طن من الأملاح من البحيرة للحفاظ على معدلات ملوحة تصل في المتوسط إلى 35 جراما لكل لتر مكعب للحفاظ على الثروة السمكية، إلا أن المتغيرات الأخيرة في تراجع كميات مياه الصرف الزراعى المنصرفة إلى البحيرة المغلقة، إلى جانب ارتفاع تركيزات الملوحة فيها، أديا إلى تصاعد تدريجى في تركيزات الأملاح بالبحيرة حتى بلغت 40 جراما لكل لتر مكعب، معيدة الخطر على التوازن الحيوى للبحيرة، بما يدفع إلى تنفيذ سيناريو أثبت نجاحه في إنقاذ البحيرة على مدار عقود.. وهو إنشاء «إميسال» جديدة، وهو المشروع الذي تبناه جهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة مع شركة إميسال ومحافظة الفيوم وجهاز شؤون البيئة مع الشركة الدولية، لعمل تصنيع شامل ومحطات تحلية، وستبلغ تكلفته الكلية 300 مليون دولار.
الجدير بالذكر أن أول عرض شراء لـ«إميسال» الحالية بلغ 450 مليون جنيه، ثم جاء المنافس الثانى وعرض 700 مليون، ولاتزال المنافسة مشتعلة.. لكن اللافت أن الثمن العادل أبعد من ذلك مقارنة بتكلفة إنشاء إميسال جديدة، مع التسليم بأن الجديد سيكون بتكنولوجيا أكثر تعقيدًا وأعمق تصنيعًا. ويقوم المشروع الجديد على استخدام وحدات غير تقليدية للمعالجة من أجل توفير مياه نقية من مياه الصرف الزراعى التي تغذى البحيرة بواقع نحو 400 مليون متر مكعب سنويا، ويتم استغلال المياه المنتجة للعمليات الصناعية والاستزراع السمكى ورى الخضر، ويخلق المشروع حرفيا أعلى قيمة مضافة ممكنة من بحيرة قارون وأوسع ضمان لسلامة البيئة، وقد تم رصد 6 ملايين جنيه لإقامة وحدة نصف صناعية تكون بمثابة مختبر للتأكد من سلامة الدراسات الفنية والجدوى الاقتصادية.
تضمنت زيارة «المصرى اليوم» تفقد الوحدة التجريبية التي تنتظر وصول الجزء الأخير الخاص بأعمال النانو، المسؤول عن تنقية المياه من الميكروبات والفيروسات، لبدء الأعمال التجريبية للمشروع والتى تستغرق 6 أشهر، وتتضمن وحدة لتحلية المياه ومزرعة سمكية وأخرى لإنتاج السلمون لأول مرة في مصر. وقال المهندس سليمان إن هذه الفكرة حال نجاحها ستوفر مساحات كبيرة من الأراضى كانت تستخدم لإنشاء أحواض التخزين لأن المياه ستأتى مباشرة إلى المصانع بعد تنقيتها لاستخراج الأملاح منها مباشرة.
عن اميسال
أنشئت الشركة بهدف بيئي بالمقام الاول وهو تحسين تركيز ملوحة بحيرة قارون في الحدود الملائمة للحياة البحرية لما يمثله ذلك من أهمية بيئية واقتصادية واجتماعية للمجتمع المحيط ولمصر عامة.
وذلك من خلال بناء قاعدة صناعية بموقع البحيرة لاستخراج وتصنيع منتجات من ملح الطعام والاملاح الصناعية وتقدم منتجاتها للأسواق المحلية والإقليمية والعالمية.
روابط هامه
شبكاتنا الإجتماعية